المراهق والتكوين العاطفي والجنسي
د. أنطوان الشرتوني
Friday, 25-Oct-2019 07:35
خلال عمر المراهقة، يبحث الشاب أو الصبية عن علاقة حب خارج الإطار العائلي. عادة يشارك المراهق، الذي حظي بالعاطفة من أمه وأبيه، غيره بها. وينشد التودد، والإنغماس في المشاعر، والإخلاص، والحنان، والإحترام من زملائه. ويتحضّر لعمر الرشد حيث يميل إلى الإستقرار العاطفي والزواج وبناء عائلة، بعدما عاش علاقات عابرة خلال مرحلة المراهقة. هذه العلاقات تتسم بالبحث عن الحب والعاطفة. في هذا الإطار كيف يفسّر علم النفس الحياة الجنسية عموماً؟ وما هو التكوين العاطفي والجنسي عند المراهق؟ وما هي نظرية فرويد في التطور الجنسي لديه بشكل بسيط؟ وكيف يمكن تطبيق هذه النظرية من منظور الأهل مع طفلهم المراهق؟

يتحدث علم النفس عن اختيار شريك الحياة على أساس مراحل عقدة أوديب ومراحل النمو لدى الانسان والعلاقة الثلاثية «أب - أم - طفل»، ويعني ذلك أنّ اختيار الإنسان لشريك حياته ليس سوى إسقاط لصورة الوالد من الجنس الآخر. وخلال مرحلة الراهقة، يبدأ الشاب (أو الصبية) في التعرّف الى الجنس الآخر، وتلعب العملية الإسقاطية دوراً بارزاً خلال تلك الفترة. دور الأهل هو مراقبة ومتابعة ولدهم الذي ما زال طفلاً يتمرّس لحياة الرشد خلال مرحلة دقيقة تسمّى «المراهقة».

التحليل النفسي والتكوين العاطفي
بعد الولادة، تكون الأم مصدر العاطفة والحنان لكائن ضعيف وصغير بحاجة ماسة لوجودها الجسدي والنفسي. وتنمو علاقة وطيدة بين المولود وأمه من خلال الإهتمام والرعاية. معظم الأطفال الذين لم يعرفوا هذا الحنان منذ صغرهم، قد يصابون باضطرابات نفسية كثيرة يسبّبها فقدان عاطفة لا مثيل لها.
وخلال الأيام الأولى من ولادته، يتعرّف الطفل الى أبيه ويصبح مصدر اهتمامه و»المُدافع» عن حياته. لذا، تكون الأم مصدر العاطفة، أما الأب فمصدر الأمان للطفل.
ومن أهم ما يمرّ به الطفل خلال نموه النفسي، عقدة أوديب التي تحدّد مصيره النفسي والإجتماعي. هذه العقدة هي الحد الفاصل في أسس كثيرة أهمها اختيار شريك الحياة المستقبلي، لأنّ الأنثى تُسقط صورة أبيها كمعيار لاختيار شريك الحياة المستقبلي والذكر يسقط صورة أمه. هذا التكوين العاطفي له تأثيره خلال مرحلة المراهقة، خصوصاً عندما يتمّ «إسترجاع» مرحلة أوديب، (بين عمر 9 و11 سنة)، فيتقرّب المراهق من اصدقائه ويتماهى بهم ويقلّدهم، لأنه بحاجة الى صورة خارجية بعدما كان تابعاً لصورة داخلية (وهي الأهل). لذا دور الأهل في هذه الفترة الحساسة هي إحترام آراء طفلهم الذي يتخبّط بكل تلك التغيّرات ومتابعة تطوره العاطفي والردّ على جميع أسئلته العاطفية والجنسية.

فرويد والنمو النفسي- العاطفي
نظرية التحليل النفسي كما وضع أسسها وصاغها سيغموند فرويد، يغلب عليها الطابع البيولوجي، لأنّ فرويد كان طبيباً. ويَعتبر أنّ الطفل يولد وهو مزوّد بطاقة غريزية قوامها الجنس والعدوان، ويسمّيها «الليبيدو»، وتأخذ معنى «الطاقة» التي تحرّك الإنسان وتمنحه القوة والإندفاع.
كل طفل يمرّ بالمراحل التالية، التي تساعده في النضج النفسي والجنسي خلال مرحلة المراهقة:
- المرحلة الفموية المصية، وتمتد خلال عام الطفل الأول، حيث يجد اللذة من خلال عملية المص: مص الثدي أو الأصابع حين يضع أصبعه أو جزءاً من يديه في فمه، كبديل عن الثدي عند غيابه.
- المرحلة الثانية هي المرحلة الفموية العضية، وتمتد في السنة الثانية من عمر الطفل، ويتركّز النشاط الغريزي حول الفم أيضاً، ولكن الطفل يحصل على اللذة هذه المرة من خلال العض وليس المص.
- المرحلة الثالثة، هي المرحلة الشرجية، وتشمل عامه الثالث، حين تنتقل منطقة الإشباع الشهوي من الفم الى الشرج، ويمكن أن يعبّر الطفل عن أحاسيسه إزاء الآخرين (خصوصاً الأم أو الأب) بالاحتفاظ بالبراز أو تفريغه في الوقت أو المكان غير المناسبين.
- المرحلة التالية هي المرحلة القضيبية، وتمتد من العامين الرابع والخامس، وفيها ينتقل مركز الاشباع من الشرج الى الأعضاء التناسلية ويحصل الطفل على لذته من اللعب في أعضائه التناسلية، فيضع الأطفال في هذه المرحلة أيديهم عليها. لذلك، يجب توعيتهم والطلب منهم عدم لمس أعضائهم. والتربية الجنسية في هذا الخصوص مهمة جداً للأطفال.
- في مرحلة الكمون، التي تبدأ بعد انتهاء الطفل من مرحلة عقدة أوديب، يحدث تقدّم في النمو العقلي والانفعالي والاجتماعي. يمتثل الطفل في هذه المرحلة لأوامر الراشدين للحصول على رضاهم وتقديرهم، وتمتد من سن السادسة حتى حدوث البلوغ الجنسي في الثانية عشرة للبنات والثالثة عشرة للبنين تقريباً.
- المرحلة الأخيرة هي المرحلة الجنسية الراشدة، وتبدأ عند النضج الجنسي للإناث والذكور وتستمر مدى الحياة.

النمو وتأثيره في شخصية المراهق
خلال نضج المراهق بيولوجياً ونفسياً، ينتقل من مرحلة إلى أخرى. أنواع المواقف وطبيعتها التى يمرّ بها ومدى تناغمها وتوازنها تحدّد التقسيم النفسي لشخصيته وتنظيمها أو العكس. وإنّ تعثّر هذه المواقف في مراحل معينة من الطفولة، يؤدي إلى مشكلات نفسية واضطرابات خلال المراهقة ومرحلة الرشد. مثلاً، طفل لم ينه فطامه بشكل صحيح خلال إحدى مراحل نموه، بل بطريقة «قاسية» وسريعة، سيواجه عندما يكبر مشكلات على صعيد الطعام و»اللذة الفموية».
لذا، يجب على الأهل أن يشاركوا طفلهم ويساعدوه في الوصول إلى الإشباع «النفسي» في كل مرحلة من مراحل نموه. مثلاً، خلال المرحلة الشرجية، أي التي يتعلّم خلالها النظافة، على الأهل أن يفسّروا للطفل أنّ النظافة مهمة، ويجب تعليمه استعمال المرحاض، وعدم اللجوء إلى العدوانية والضرب والقساوة، لأنّ ذلك لن يساعده في استيعاب المرحلة التي يمرّ بها.

الأكثر قراءة